ماذا بعد رمضانصفحة 1 من اصل 1 • شاطر ماذا بعد رمضانلقد كان شهر رمضان ميدانًا يتنافس فيه المتنافسون، ويتسابق فيه المتسابقون، ويحسن فيه المحسنون، تروضت فيه النفوس على الفضيلة، وتربت فيه على الكرامة، وترفعت عن الرذيلة، وتعالت عن الخطيئة، واكتسبت فيه كل هدى ورشاد، ومسكين ذاك الذي أدرك هذا الشهر ولم يظفر من مغانمه بشيء، ما حجبه إلا الإهمال والكسل، والتسويف وطول الأمل. ترحل شهر الصبر والهفاه وانصـرما *** واختص بالفوز في الجنات من خدما وأصبح الغافل المسكيـن منكسـرا *** مثلي فيا ويحـه يا عظـم ما حـرما من فاته الزرع في وقت البذار فمـا *** تـراه يحصد إلا الهــم والنــدما وإن الأدهي من ذلك والأمرّ أن يوفق بعض العباد لعمل الطاعات، والتزود من الخيرات حتى إذا انتهى الموسم نقضوا ما أبرموا، وعلى أعقابهم نكصوا، واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، وذلك -والله- خطأ فادح بكل المقاييس، وجناية مخزية بكل المعايير، لا ينفع معها ندم ولا اعتذار عند الوقوف بين يدي الواحد القهار. قيل لبشر -رحمه الله- إن قومًا يتعبدون ويجتهدون في رمضان، فقال: بئس القوم لا يعرفون لله حقًّا إلا في شهر رمضان! إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها. وسئل الشلبي -رحمه الله- أيما أفضل رجب أو شعبان؟ فقال: كن ربانيًّا ولا تكن شعبانيًّا، كان النبي عمله ديمة. وسئلت عائشة -رضي الله عنها- هل كان يخص يومًا من الأيام؟ فقالت: "لا، كان عمله ديمة". وقالت: "كان النبي لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة". إننا ندعو هؤلاء بكل شفقة وإخلاص، ندعوهم والألم يعتصر قلوبنا خوفًا عليهم ورأفة بهم، ندعوهم إلى إعادة النظر في واقعهم، ومجريات حياتهم، ندعوهم إلى مراجعة أنفسهم، وتأمل أوضاعهم قبل فوات الأوان، إننا ننصحهم بألا تخدعهم المظاهر، ولا يغرهم ما هم فيه، من الصحة والعافية، والشباب والقوة، فما هي إلا سراب بقيعة، يحسبه الظمأن ماء أو كبرق خلب سرعان ما يتلاشى وينطفئ ويزول، فالصحة سيعقبها السقم، والشباب يلاحقه الهرم، والقوة آيلة إلى الضعف، فاستيقظ يا هذا من غفلتك، وتنبه من نومتك؛ فالحياة قصيرة وإن طالت، والفرحة ذاهبة وإن دامت. ليعلم أولئك أن استدامة العبد على النهج المستقيم، والمداومة على الطاعة من أعظم البراهين على القبول، قال تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]. فيجب أن تستمر النفوس على نهج الهدى والرشاد كما كانت في رمضان، فنهج الهدى لا يتحدد بزمان، وعبادة الرب وطاعته يجب أن لا تكون مقصورة على رمضان، قال الحسن البصري رحمه الله: إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون الموت، ثم قرأ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]. فإن انقضى رمضان فبين أيديكم مواسم تتكرر، فالصلوات الخمس من أجلِّ الأعمال، وأول ما يحاسب عليها العبد، يقف فيها العبد بين يدي ربه مخبتًا متضرعًا. ولئن انتهى صيام رمضان فهناك صيام النوافل كالست من شوال، والاثنين والخميس، والأيام البيض وعاشوراء وعرفة وغيرها. ولئن انتهى قيام رمضان، فقيام الليل مشروع في كل ليلة: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17]. ولئن انتهت صدقة أو زكاة الفطر فهناك الزكاة المفروضة، وهناك أبواب للصدقة والتطوع والجهاد كثيرة. ولتعلم -يا أخي المسلم- أن من صفات عباد الله المداومة على الأعمال الصالحة {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج: 23]، و{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المؤمنون: 9]. وكأني بك قد تاقت نفسك لتعرف سبيل النجاة في كيفية المداومة على العمل الصالح، فأقول لك بلسان المشفق الناصح الأمين: لا بد أولاً: من العزيمة الصادقة على لزوم العمل والمداومة عليه أيًّا كانت الظروف والأحوال، وهذا يتطلب منك ترك العجز والكسل؛ ولذا كان نبينا يتعوذ بالله من العجز والكسل لعظيم الضرر المترتب عليهما، فاستعن بالله -تعالى- ولا تعجز. ثانيًا: القصد القصد في الأعمال، ولا تحمل نفسك ما لا تطيق؛ ولذا يقول النبي : "خذوا من الأعمال ما تطيقون؛ فإن الله لا يمل حتى تملوا"[1]. ولتعلم يا أخي أن البركة في المداومة، فمن حافظ على قراءة جزء من القرآن كل يوم ختمه في شهر، ومن صام ثلاثة أيام في كل شهر فكأنه صام الدهر كله، ومن حافظ على ثنتي عشرة ركعة في كل يوم وليلة بنى الله له بيتًا في الجنة.. وهكذا بقية الأعمال. ثالثًا: عليك أن تتذكر أنه لا يحسن بمن داوم على عمل صالح أن يتركه؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله : "يا عبد الله، لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل"[2]. رابعًا: استحضر -يا رعاك الله- ما كان عليه أسلافنا الأوائل، فهذا حبيبك محمد تخبرنا أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنه "كان إذا نام من الليل أو مرض صلى في النهار اثنتي عشرة ركعة"[3]. وترك اعتكاف ذات مرة فقضاه في شوال. وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله لبلال عند صلاة الفجر: "يا بلال، حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام؛ فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة". قال: (ما عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طهورًا في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي). وأعجب من ذلك ما فعله علي بن أبي طالب بوصية رسول الله له حينما دخل عليه ذات يوم فوجده نائمًا مع فاطمة، يقول علي: "فوضع رجله بيني وبين فاطمة، فعلّمنا ما نقول إذا أخذنا مضاجعنا، فقال: "يا فاطمة، إذا كنتما بمنزلتكما فسبحا الله ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، وكبرا أربعًا وثلاثين". قال علي: والله ما تركتها بعد!! فقال له رجل كان في نفسه عليه شيءٌ: ولا ليلة صفين؟ قال علي: ولا ليلة صفين"[4]. إنك إذا تصورت مثل هذا الخبر فإنه سيتمالكك العجب من الحرص على المداومة على العمل حتى في حال القتال وتطاير الرءوس، وذهاب المهج، وسفك الدماء.. كل ذلك لا ينسيه عن وصية نبيه محمد ، وأن يقول ما أمر أن يقوله عند النوم. إن معرفة مثل هذه الأخبار تدفعك إلى المداومة على العمل الصالح، ومحاولة الاقتداء بنهج السلف الصالح والسير على منوالهم. مواضيع مماثلة » ماذا لو عشنا السنه باخلاقيات رمضان » كيف نستقبل رمضان؟ » قصيدة عن رمضان » HTML كود الوقت المتبقي على شهر رمضان » صعق بني اسرائيل "اعلم فان رمضان قادم" سجل دخولك لتستطيع الرد بالموضوعلابد تكون لديك عضوية لتستطيع الرد سجل الان صلاحيات هذا المنتدى: لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
|